فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الرابعة:
متمسك أصحابنا في أن خبر الواحد حجة، وشهادة الفاسق لا تقبل، أما في المسألة الأولى فقالوا علل الأمر بالتوقف بكونه فاسقًا، ولو كان خبر الواحد العدل لا يقبل، لما كان للترتيب على الفاسق فائدة، وهو من باب التمسك بالمفهوم.
وأما في الثانية فلوجهين: أحدهما: أمر بالتبين، فلو قبل قوله لما كان الحاكم مأمورًا بالتبين، فلم يكن قول الفاسق مقبولًا، ثم إن الله تعالى أمر بالتبين في الخبر والنبأ، وباب الشهادة أضيف من باب الخبر والثاني: هو أنه تعالى قال: {أن تُصِيببُواْ قَوْمًَا بِجَهَالَةٍ} والجهل فوق الخطأ، لأن المجتهد إذ أخطأ لا يسمى جاهلًا، والذي يبني الحكم على قول الفاسق إن لم يصب جهل فلا يكون البناء على قوله جائزًا.
المسألة الخامسة:
{أن} ذكرنا فيها وجهين أحدهما: مذهب الكوفيين، وهو أن المراد لئلا تصيبوا، وثانيها: مذهب البصريين، وهو أن المراد كراهة أن تصيبوا، ويحتمل أن يقال: المراد فتبينوا واتقوا، وقوله تعالى: {أن تصيبوا قَوْمًا} يبين ما ذكرنا أن يقول الفاسق: تظهر الفتن بين أقوام، ولا كذلك بالألفاظ المؤذية في الوجه، والغيبة الصادرة من المؤمنين، لأن المؤمن يمنعه دينه من الإفحاش والمبالغة في الإيحاش، وقوله: {بِجَهَالَةٍ} في تقدير حال، أي أن تصيبوهم جاهلين وفيه لطيفة، وهي أن الإصابة تستعمل في السيئة والحسنة، كما في قوله تعالى: {مَّا أصابك مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله} [النساء: 79] لكن الأكثر أنها تستعمل فيما يسوء، لكن الظن السوء يذكر معه، كما في قوله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} [النساء: 78] ثم حقق ذلك بقوله: {فَتُصْبِحُواْ على مَا فَعَلْتُمْ نادمين} بيانًا لأن الجاهل لا بد من أن يكون على فعله نادمًا، وقوله: {فَتُصْبِحُواْ} معناه تصيروا، قال النحاة: أصبح يستعمل على ثلاثة أوجه أحدها: بمعنى دخول الرجل في الصباح، كما يقول القائل: أصبحنا نقضي عليه وثانيها: بمعنى كان الأمر وقت الصباح كذا وكذا، كما يقول: أصبح اليوم مريضنا خيرًا مما كان، غير أنه تغير ضحوة النهار، ويريد كونه في الصبح على حاله، كأنه يقول: كان المريض وقت الصبح خيرًا وتغير ضحوة النهار وثالثها: بمعنى صار يقول القائل أصبح زيد غنيًا ويريد به صار من غير إرادة وقت دون وقت، والمراد هاهنا هو المعنى الثالث وكذلك أمسى وأضحى، ولكن لهذا تحقيق وهو أن نقول لا بد في اختلاف الألفاظ من اختلاف المعاني واختلاف الفوائد، فنقول الصيرورة قد تكون من ابتداء أمر وتدوم، وقد تكون في آخر بمعنى آل الأمر إليه، وقد تكون متوسطة.
مثال الأول: قول القائل صار الطفل فاهمًا أي أخذ فيه وهو في الزيادة.
مثال الثاني: قول القائل صار الحق بينًا واجبًا أي انتهى حده وأخذ حقه.
مثال الثالث: قول القائل صار زيد عالمًا وقويًا إذا لم يرد أخذه فيه، ولا بلوغه نهايته بل كونه متلبسًا به متصفًا به، إذا علمت هذا فأصل استعمال أصبح فيما يصير الشيء آخذًا في وصف ومبتدئًا في أمر، وأصل أمسى فيما يصير الشيء بالغًا في الوصف نهايته، وأصل أضحى التوسط لا يقال أهل الاستعمال لا يفرقون بين الأمور ويستعملون الألفاظ الثلاثة بمعنى واحد، نقول إذا تقاربت المعاني جاز الاستعمال، وجواز الاستعمال لا ينافي الأصل، وكثير من الألفاظ أصله مضى واستعمل استعمالًا شائعًا فيما لا يشاركه، إذا علم هذا فنقول قوله تعالى: {فَتُصْبِحُواْ} أي فتصيروا آخذين في الندم متلبسين به ثم تستديمونه وكذلك في قوله تعالى: {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} أي أخذتم في الأخوة وأنتم فيها زائدون ومستمرون، وفي الجملة اختار في القرآن هذه اللفظة لأن الأمر المقرون به هذه اللفظة، إما في الثواب أو في العقاب وكلاهما في الزيادة، ولا نهاية للأمور الإلهية وقوله تعالى: {نادمين} الندم هم دائم والنون والدال والميم في تقاليبها لا تنفك عن معنى الدوام، كما في قول القائل: أدمن في الشرب ومدمن أي أقام، ومنه المدينة.
وقوله تعالى: {فَتُصْبِحُواْ على مَا فَعَلْتُمْ نادمين} فيه فائدتان:
إحداهما: تقرير التحذير وتأكيده، ووجهه هو أنه تعالى لما قال: {أن تُصِيبُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ} قال بعده وليس ذلك مما لا يلتفت إليه، ولا يجوز للعاقل أن يقول: هب أني أصبت قومًا فماذا علي؟ بل عليكم منه الهم الدائم والحزن المقيم، ومثل هذا الشيء واجب الاحتراز منه.
والثانية: مدح المؤمنين، أي لستم ممن إذا فعلوا سيئة لا يلتفتون إليها بل تصبحون نادمين عليها. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)}.
قال مجاهد وغيره: نزلت في أعراب بني تميم؛ قدم الوفد منهم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فدخلوا المسجد ونادَوُا النبيّ صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته أن اخرج إلينا، فإن مَدْحَنَا زَيْنٌ وَذَمّنَا شَيْنٌ.
وكانوا سبعين رجلًا قدّموا الفداءَ ذَرارِيَ لهم؛ وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم نام للقائلة.
وروي أن الذي نادى الأقرع بن حابس، وأنه القائل: إن مَدْحِيَ زَيْنٌ وإنّ ذَمِّيَ شَيْن؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ذاك الله» ذكره الترمذي عن البَرَاء بن عازب أيضًا.
وروى زيد بن أرقم فقال: أتى أناس النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يكن نبيًّا فنحن أسعد الناس باتباعه، وإن يكن مَلِكًا نَعِشْ في جنابه.
فأتُوا النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو في حجرته: يا محمد، يا محمد؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قيل: إنهم كانوا من بني تميم.
قال مقاتل كانوا تسعة عشر: قيس بن عاصم، والزِّبْرِقَان بن بَدْر، والأَقْرَع بن حابس، وسُويد بن هاشم، وخالد بن مالك، وعطاء بن حابس، والقَعْقاع بن مَعْبَد، ووَكِيع بن وكيع، وعُيَيْنَة بن حِصْن وهو الأحمق المطاع، وكان من الجرّارين يجر عشرة آلاف قناة، أي يتبعه، وكان اسمه حذيفة وسمي عُيْيَنة لِشَترٍ كان في عينيه ذكر عبد الرزاق في عُيينة هذا: أنه الذي نزل فيه {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} [الكهف: 8 2].
وقد مضى في آخر (الأعراف) من قوله لعمر رضي الله عنه ما فيه كفاية؛ ذكره البخاري.
وروي أنهم وَفَدوا وقت الظَّهِيرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم راقد؛ فجعلوا ينادونه: يا محمد يا محمد، اخرج إلينا؛ فاستيقظ وخرج، ونزلت.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هم جُفاة بني تميم لولا أنهم من أشدّ الناس قتالًا للأعور الدجال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم» والحُجُرات جمع حُجْرة؛ كالغُرُفات جمع غُرْفة، والظّلمات جمع ظُلْمة.
وقيل: الحجرات جمع الحُجَر، والحُجَر جمع حُجْرة، فهو جمع الجمع.
وفيه لغتان: ضّم الجيم وفتحها.
قال:
ولما رأونا باديًا رُكَباتنا ** على موطن لا نخلط الجِدَّ بالهَزْلِ

والحجرة: الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها.
وحَظيرة الإبل تسمى الحجرة، وهي فُعْلة بمعنى مفعولة.
وقرأ أبو جعفر بن القَعْقَاع {الحُجَرات} بفتح الجيم استثقالا للضمتين.
وقرئ {الحُجْرات} بسكون الجيم تخفيفًا.
وأصل الكلمة المنع.
وكل ما منعت أن يوصل إليه فقد حَجَرت عليه.
ثم يحتمل أن يكون المنادى بعضًا من الجملة فلهذا قال: {أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} أي إن الذين ينادونك من جملة قوم الغالب عليهم الجهل.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}.
أي لو انتظروا خروجك لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها بمهمات نفسه؛ فكان إزعاجه في تلك الحالة من سوء الأدب وقيل: كانوا جاءوا شفعاء في أسارى بني عنبر فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم نصفهم، وفادى على النصف.
ولو صبروا لأعتق جميعهم بغير فداء.
{والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}.
فيه سبع مسائل:
الأولى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ} قيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عُقبة بن أبي مُعَيْط.
وسبب ذلك ما رواه سعيد عن قتادة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عُقبة مُصَدِّقًا إلى بني المُصْطَلِق؛ فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم في رواية: لإحْنَة كانت بينه وبينهم؛ فرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم قد ارتدّوا عن الإسلام.
فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد وأمره أن يتثبّت ولا يَعْجَل؛ فانطلق خالد حتى أتاهم ليلًا؛ فبعث عُيُونَه فلما جاءوا أخبروا خالدًا أنهم متمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم؛ فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه؛ فعاد إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فنزلت هذه الآية؛ فكان يقول نبي الله صلى الله عليه وسلم: «التأنِّي من الله والعجلة من الشيطان» وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني المُصْطَلِق بعد إسلامهم؛ فلما سمعوا به ركبوا إليه، فلما سمع بهم خافهم؛ فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن القوم قد همّوا بقتله، ومنعوا صدقاتهم.
فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوِهم، فبينما هم كذلك إذ قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، سمعنا برسولك فخرجنا إليه لنكرمه، ونؤدي إليه ما قِبَلَنَا من الصدقة، فاستمر راجعًا، وبلغنا أنه يزعم لرسول الله أنا خرجنا لنقاتله، واللّهِ ما خرجنا لذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ وسُمِّيَ الوليدُ فاسقًا أي كاذبًا.
قال ابن زيد ومقاتل وسهل بن عبد الله: الفاسق الكذاب.
وقال أبو الحسن الوراق: هو المعلن بالذنب.
وقال ابن طاهر: الذي لا يستحي من الله.
وقرأ حمزة والكسائي {فتثبتوا} من التثبت.
الباقون {فَتَبَيَّنُوا} من التبيين {أَن تُصِيببُواْ} أي لئلا تصيبوا، ف {أن} في محل نصب بإسقاط الخافض.
{قَوْمَا بِجَهَالَةٍ} أي بخطأ.
{فَتُصْبِحُواْ على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} على العجلة وترك التأنّي.
الثانية في هذه الآية دليلٌ على قبول خبر الواحد إذا كان عَدْلًا، لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق.
ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعًا؛ لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها.
وقد استثنى الإجماع من جملة ذلك ما يتعلق بالدعوى والجحود، وإثبات حق مقصود على الغير؛ مثل أن يقول: هذا عبدي؛ فإنه يقبل قوله.
وإذا قال: قد أنفذ فلان هذا لك هدية؛ فإنه يقبل ذلك.
وكذلك يقبل في مثله خبر الكافر.
وكذلك إذا أقرّ لغيره بحق على نفسه فلا يبطل إجماعًا.
وأما في الإنشاء على غيره فقال الشافعي وغيره: لا يكون ولِيًّا في النكاح.
وقال أبو حنيفة ومالك: يكون ولِيًّا؛ لأنه يَلِي ما لها فيلي بُضْعَها.
كالعدل، وهو وإن كان فاسقًا في دينه إلا أن غيرَتْه موفّرة وبها يحمي الحريم، وقد يبذل المال ويصون الحرمة؛ وإذا وَلِيَ المال فالنكاح أوْلَى.
الثالثة قال ابن العربي: ومن العَجَب أن يجوّز الشافعي ونظراؤه إمامة الفاسق.
ومن لا يؤتمن على حبة مالٍ (كيف) يصحّ أن يؤتمن على قنطار دَيْن.
وهذا إنما كان أصله أن الولاة الذين كانوا يصلّون بالناس لما فسدت أديانهم ولم يمكن ترك الصلاة وراءهم، ولا اسْتُطِيعت إزالتهم صُلِّيَ معهم ووراءهم؛ كما قال عثمان: الصلاة أحسن ما يفعل الناس؛ فإذا أحسنوا فأحسن، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.
ثم كان من الناس من إذا صلّى معهم تَقِيّةً أعادوا الصلاة للّه، ومنهم من كان يجعلها صلاته.
وبوجوب الإعادة أقول؛ فلا ينبغي لأحد أن يترك الصلاة مع من لا يرضى من الأئمة، ولكن يعيد سِرًّا في نفسه، ولا يؤثر ذلك عند غيره.
الرابعة وأما أحكامه إن كان واليًا فينفذ منها ما وافق الحق ويردّ ما خالفه، ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال؛ ولا تلتفتوا إلى غير هذا القول من رواية تؤثر أو قول يحكى؛ فإن الكلام كثير والحق ظاهر.
الخامسة لا خلاف في أنه يصح أن يكون رسولًا عن غيره في قول يبلغه أو شيء يوصله، أو إذن يعلمه؛ إذا لم يخرج عن حق المرسِل والمبلِّغ؛ فإن تعلّق به حق لغيرهما لم يقبل قوله.
وهذا جائز للضرورة الداعية إليه؛ فإنه لو لم يتصرف بين الخلق في هذه المعاني إلا العدول لم يحصل منها شيء لعدمهم في ذلك.
والله أعلم.
السادسة وفي الآية دليل على فساد قول من قال: إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجُرحة؛ لأن الله تعالى أمر بالتثبت قبل القبول، ولا معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم؛ فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة.
السابعة فإن قضى بما يغلب على الظن لم يكن ذلك عملًا بجهالة؛ كالقضاء بالشاهدين العدلين، وقبول قول العالم المجتهد.
وإنما العمل بالجهالة قبول قول من لا يحصل غلبة الظن بقبوله.
ذكر هذه المسألة القُشَيْرِي، والذي قبلها المَهْدَوِي. اهـ.

.قال الألوسي:

{إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الحجرات}.
من خارجها خلفها أو قدامها على أن {وَرَاء} من المواراة والاستتار فما استتر عنك فهو وراء خلفًا كان أو قدامًا إذا لم تره فإذا رأيته لا يكون وراءك، فالوارء بالنسبة إلى من في الحجرات ما كان خارجها لتواريه عمن فيها، وقال بعض أهل اللغة إن وراء من الأضداد فهو مشترك لفظي عليه ومشترك معنوي على الأول وهو الذي ذهب إليه الآمدي وجماعة.
و{الحجرات} جمع حجرة على وزن فعلة بضم الفاء وسكون العين وهي القطعة من الأرض المحجورة أي الممنوعة عن الدخول فيها بحائط، وتسمى حظيرة الإبل وهي ما تجمع فيه وتكون محجورة بحطب ونحوه حجرة أيضًا فهي بمعنى اسم المفعول كالغرفة لما يغرف باليد من الماء، وفي جمعها هنا ثلاثة أوجه، ضم العين اتباعًا للفاء كقراءة الجمهور، وفتحها وبه قرأ أبو جعفر وشيبة، وتسكينها للتخفيف وبه قرأ ابن أبي عبلة.